جرة قلم فيها الشفاء..معنى في سطر قد يطلق سراح نفس مقبورة بضيق مزمن ..حين يركن القارئ إلى سكينة خفية تضيء عتمة قلبه المكدود..هكذا الأدب في اقتسامه للحياة يقتبسها ليعيد إليها جذوة وعيٍ وحياة.
.وبينما يجتاز المتلقي محنة روحية بتأثير الأدب..يجد علماء النفس في ثرائه معيناً ودواء يضاهي العقاقير..فلدى الأديب مفاتيح رحمة ضد الكآبة والشقاء الإنساني قد تستعصي أحياناً على الطب النفسي فيلجأ إليه لترويضها.
والأدب قادر بالتالي على اجتياز دروب النفس الإنسانية..والانسياب فيها من خلال كلمات ومعانٍ تحمل روحاً ساريةً في عمق الإحساس الإنساني الدفين.
كبت يعيشه الإنسان..هموم..أحزان متواصلة..مآسٍ تجعل الإنسان يرتدّ إلى ذاته كئيباً حسيراً يفتح عينيه على الحياة مرة أخرى فيجد الواقع لوحةً سوداء تتجلى فيها مآسٍ قاتلة..لذلك يضع الأديب نفسه في محرقةٍ إراديةٍ يبدو من خلالها شديد المازوخية حين يستطلع الوعكة الروحية للبشر عبر التوحد العميق مع ذاتهم..كي ينتج قيم جديدة ويساعد المتلقي لإبداعه اجتياز على أزمته النفسية واكتشافها من جديد، ومن خلال هذه الرحلة المعنوية في الذات الإنسانية المنهكة يتراكم وعيه عنهم بسخاءٍ وثراء ويجعله جدير بوصف عالم النفس الشهير سيجموند فرويد في كتابه( هذيان وأحلام) حيث قال:
إن الشعراء والروائيين هم أعز حلفائنا وينبغي أن نقدّر شهادتهم أحسن تقدير لأنهم يعرفون أشياء بين السماء والأرض لم تتمكن بعد حكمتنا المدرسية من الحلم بها، فهم في معرفة النفس شيوخنا نحن الناس العاديين لأنهم يرتوون من منابع لم يتمكن العلم بعد من بلوغها).
ولذلك ففي الدول المتقدمة طبياً يقوم المحلل النفسي بتحفيز المرضى على قراءة النصوص التي تزكي شعورهم بالطمأنينة ..وتعتبر القراءات الأدبية وسيلة لاستكشاف الأبعاد الكاملة للشخصية ولأغوارها المبهمة وحينما يصف الأفراد مشاكلهم أثناء عملية التخيل يُتيحون للمعالج النفسي فهماً أعمق لخصائصهم النفسية..كما تمنح المرضى فهماً ذاتيا أوضح لأنفسهم.
وكما يقول هاردنج:
(إن ما يسمى بتحقيق الأماني في الروايات والمسرحيات قد يوصف بأنه صياغة الأماني أو تجديد الرغبات)
والأقرب إلى الحقيقة أن نقول أن الأدب يسهم في تحديد قيم القارئ أو المشاهد وقد تؤجج رغباته بدلاً من أن تعمل على تلبيتها بآلية ما لتجربة بديلة.. فمدلول العمل لا يكمن في المعنى المغلق داخل النص، بل إن هذا المعنى يخرج ما كان مغلقاً في دواخلنا