ياسمين الشام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ياسمين الشام

منتدى ... ثقافي ... اجتماعي ... ترفيهي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 رفقا بالابناااء

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
إيزيس
مشرف
مشرف
إيزيس


انثى
عدد الرسائل : 311
العمر : 67
تاريخ التسجيل : 30/04/2008

رفقا بالابناااء Empty
مُساهمةموضوع: رفقا بالابناااء   رفقا بالابناااء I_icon_minitimeالإثنين يونيو 16, 2008 1:37 pm




هاهي السماء تبدو صافية بهيّة؛ تتلألأ النجوم في فضاءاتها اللانهائية. إنها ليلة صيفية لطيفة تداعب النسيمات مشاعر الساهرين فيها. كل مافي تلك اللحظات كان يغريني بالاستمتاع بشيء من الهدوء على شرفة منزلي في أعقاب يوم عمل طويلٍ صاخب؛ وبعد أن تجاوزت عقارب الساعة منتصف الليل. كنت أتوقع أن تكون تلك اللحظات المرتقبةُ مفعمةً بنكهة الهدوء؛ فيما عدا أصوات السيارات العابرة؛ لكنني فوجئت بأنّ المكان مايزال يردد أصداء استغاثات الكرة المنهكة بين قسوة الجدار وأقدام الأطفال الذين تعالت أصواتهم بين الضحك والصراخ. لم أستطع كبح قسوة انزعاجي من ذلك المشهد الذي رأيته شاذاً وقد راح يمتد لساعات في عمق الليل، رفعت سماعة الهاتف فاتصلت بأحد الجيران بعد أن تبين لي أنّ اثنين من أبنائه كانا بين اللاعبين؛ لكنّ صاحبنا أبدى استغرابه لاحتجاجي الهادئ وذكري لحزم القيم التربوية التي نشأنا عليها؛ فقاطعني قائلاً: "الأولاد أنهوا امتحاناتهم المدرسية والمدارس أغلقت أبوابها وهم الآن يمرحون ويلعبون فلا تعقّد المسألة وتقول لي قِيَم وتربية...، الزمن تغير يارجل....!". لم أجد ما أقوله حيال هذا الدفاع الهجومي. ودّعت محدّثي شاكراً لطفه؛ وجلست إلى الشاشة الصغيرة باحثاً بين المحطات العربية عن بعض ما يُخمد جذوة انزعاجي؛ لكنني وجدت نفسي من جديد أمام خلط عجيب زاد من قناعاتي بأنّنا في هذا العصر بتنا نضع أبناءنا في دوامة خليط من القيم المتضاربه التي تجلب الحيرة والقلق؛ بل والثورة إلى نفوسهم التي فطرت في أصل وجودها على البراءة والنقاء، إذْ لم تتغير قناعاتي في صحة ما أجمع عليه التربويون من أنّ الطفل يكون حينما يولد خامة نَضِرَةً غضّةً مشحونة بالقدرة على التكيف والاحتواء والتشكيل؛ وأنّ الأسرة والبيئة الاجتماعية المحيطة هي التي تقوم بتشكيل هذه الخامة وفق نموذج محدد الأوصاف والأغراض والأهداف، وهذا يعني أنّ تكوين بذرة الحس الأخلاقي لدى الطفل وبدء تطوير قدرته على التواصل الاجتماعي يبدأ منذ اللحظات الأولى للولادة عبر تفاعل شبكة الحواس التي زوده الله بها، وهكذا تبدأ تضاريس النفس بالتشكل والظهور لتتطور سلوكياتها وفقاً لمنظومة القيم والمعايير العامة والسلوكية والأخلاقية التي تقوم الأسرة والبيئة المحيطة بغرسها في هذا التكوين الناشئ والتدريب على الالتزام بها بشكل صحيح عبر توازن يفرض قواعد الانتقال المدروس بين أسلوبي "الثواب والعقاب" اللذَين يولّدان في نفس الطفل حالة من الوعي يدرك معها بأنّ عليه التمسّك بأواصر العلاقة مع المحيط الاجتماعي وبالتالي المحافظة على كل ما يبقي صورته جميلة محببة لدى الآخرين...، أي أنه سيعي أنه إذا رسم حركته وفقاً لمنظومة القيم التي نشأ عليها لابد أن يلقى استحسان من حوله أما إذا خرج عليها فإنه سيلقى النفور والعقاب؛ ولما كان الطفل غير قادر على تحديد المفهوم الحقيقي الدقيق لكل من "الخير والشر" بالضبط فإن السلوك السيء بالنسبة له هو السلوك الذي يترتب عليه نتائج سيئة، فالنتائج بحد ذاتها هي التي تحدّد في نفسه مؤشر "الصح والخطأ" لتكوِّن "الكابح" الذي يمكنه من تحديد مساره في مسيرة بحثه الدائب المتطور عن المتعة واللذّة والقدرة على تفسير ظواهر وقوانين الحياة...، حتى إذا ماتفتّح إدراكه وتشكل لديه حافز الضمير بدأ مرحلة جديدة من الصراع يحاول فيها قياس مايدور حوله من تصرفات الكبار والصغار وما ينبض في المجتمع من حركة ومايشاهده في الشاشة الصغيرة أو يقرأ عنه هنا وهناك على منظومة القيم والضوابط التي ترسخت في نفسه منصّباً نفسه حكماً لا حول له ولاقوّة...
ربما يتذرع البعض بالرفق بالأبناء في معرض الدفاع عن سلوكهم بوجوب ترك الحبل على الغارب لأبنائهم بدعوى أنّ الزمن قد تغير. فما الذي تغير...؟ هل التغير فينا نحن الآباء وفي قدرتنا على اقتناص بعض الوقت والجهد التائه لتكريسهما في غرس القيم الصحيحة في نفوس أبنائنا...؟. سؤال يبقى مطروحاً أمام الآباء والتربويين والجهات الأكاديمية والمعنية...؛ بانتظار صلة الحديث والبحث والحوار البنّاء...*
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
رفقا بالابناااء
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ياسمين الشام :: نسائم الروح :: مسرح حياتي-
انتقل الى: